27.11.05

العراق المتمرد: الزرقاوي والجيل الجديد

Insurgent Iraq: Al zarqawi And the New Generation
العراق المتمرد: الزرقاوي والجيل الجديد

تأليف: كوريتا نابوليوني
تاريخ النشر: 15 نوفمبر ‏2005‏‏
الناشر: سفن ستوريز برس


ازدادت الشكوك مؤخرا حول حقيقة أبو مصعب الزرقاوي، وأصبح العديد من المفكرين والكتاب وعامة الناس يتساءلون: أهو لغز أم حقيقة؟ أهو صناعة جهادية أم إعلامية؟ وغير هذه من التساؤلات التي أدت في النتيجة إلى ظهور كتابات من نوع الكتاب الذي بين أيدينا، وهو للخبيرة السياسية في شؤون الإرهاب كوريتا نابوليوني بعنوان ( العراق المتمرد)، وتحدثت عن الكتاب وسائل الإعلام وأجريت مع مؤلفته مقابلات في السي ان ان، والواشنطن تايمز، كما نشرت المؤلفة أفكارها في مجلات عدة مثل الفورن أفيرز، وفي جميع المناسبات تؤكد نابوليوني، التي تابعت ظاهرة الزرقاوي، أن الولايات المتحدة الأميركية ساهمت بشكل كبير في صناعة أسطورة (أبو مصعب الزرقاوي), وساعدته بشكل غير مباشر للوصول إلى هدفه، وأنه لم يكن قادراً على صناعة الهالة العالمية الموجودة حوله اليوم دون مساعدة مقصودة أو غير مقصودة من الإدارة الأميركية!‏

وتعتقد المؤلفة في كتابها أن أسطورة الزرقاوي ساعدت في تحويل القاعدة من طليعة نخبوية صغيرة إلى حركة جماهيرية، وأن الزرقاوي أصبح الرمز لجيل جديد من المجاهدين المناهضين للإمبريالية.
وترى نابوليوني أن الهالة التي أحيط بها الزرقاوي على الأغلب حصلت دون أن يكون له يد فيها, بل هذا التقديم والدور الأميركي الهادف, ساعده على تعزيز مكانته ونقل مشروعه الجهادي إلى العراق وذلك ما عجز عنه بن لادن, أو ما كان دوراً لغيره!‏

إذ لا يمكن أن تكون أفعال الزرقاوي وأجندته بهذه الحكمة التي تتوقع أحداث المستقبل بدقة في إشارة إلى أن تلك الأجندة والممارسات المرسومة أميركياً ويقترب الزرقاوي منها خطوة خطوة بفعل الدعم والتخطيط الأميركي..!‏
وتورد نابوليوني أحداثا وأدله على صحة اعتقادها، فتتحدث عن وصول( أبو مصعب الزرقاوي) من أفغانستان إلى العراق, بعد سقوط نظام طالبان هناك حيث انتقل إلى كردستان العراق, واتخذها مقراً لعملياته الجديدة, وقد علم الأميركيون بذلك من قبل الزعماء الأكراد لكنهم تغاضوا عن ذلك!

وتضيف، فجأة ظهرت علاقة الزرقاوي بهجمات أيلول 2001 على الولايات المتحدة الأميركية عندما تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي ( كولن باول) آنذاك واصفاً إياه باللاعب الأساسي في تنظيم القاعدة, وتشير السيدة ( نابوليوني) إلى أن أول تقديم رسمي للزرقاوي من قبل الإدارة الأميركية, عندما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي السابق ( كولن باول) في 5 شباط 2003 أمام اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة عندما عرض باول آنذاك تبرير بلاده في التدخل العسكري بالعراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل, وعلاقته بتنظيم القاعدة واعتبر حينها أن الزرقاوي يرتبط بصلات وثيقة مع الرئيس العراقي صدام حسين, وكذلك زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن, مشرعاً بذلك ( أسطورة الزرقاوي) ومطلقاً صورته ودوره للعنان، وتخلص الكاتبة: لقد نقلناه إلى حيث نريد أن يكون نحن صنعناه وليس المجاهدون!?‏
وعندما تتحدث الخبيرة الاميركية عن حياة الزرقاوي ونشأته في كتابها، لم تغفل المنبت الطبقي الفقير, حيث ولد المدعو أحمد فاضل الخلايلة في تشرين أول 1966 في مدينة الزرقاء الأردنية الفقيرة, وكانت طفولته متواضعة وكان شخصاً عادياً تعرض للكثير من الإخفاقات في بداية حياته, ربما كانت سبباً في تبلور شخصيته وصفاته الخطرة, ولكنها تقول أن الصفات القيادية المتميزة التي يظهرها الزرقاوي ولا واقعية، بل إنه على عكس ذلك فهو يتمتع بصفات عادية, متواضعة. ولكن بقدرة خفية وعلى الأصح ( أميركية) تحول إلى أسطورة ورجل عالمي, واحتل مركزاً متقدماً على لائحة الأعداء المعلنين للولايات المتحدة الأميركية.


وتبين السيدة نابوليوني أن العلاقة بين الزرقاوي وبن لادن لم تتفعّل إلا بعد الحرب على العراق, حيث كانت الحرب سبباً

في تعاون الرجلين, سواء المعلن الحقيقي أم الصوري, وسبق للرجلين أن التقيا عام 2000 على فترات متقطعة وكان الزرقاوي حينها يعارض رفع راية الجهاد التي حملها بن لادن ضد أميركا, وبعدها مولت القاعدة معسكرات التدريب التي أقامها الزرقاوي في أفغانستان. إلى أن انتقل بذلك إلى منطقة كردستان في العراق..!‏

ولا ندري إن كانت نابوليوني قد أجابت على الأسئلة العديدة والشكوك التي تكتنف شخص الزرقاوي في ذهن العديد من
الناس، ولكنها وبلا شك قامت بدور كبير في إغناء الأفكار الخاصة بتنظيم الزرقاوي وأحداث العنف التي تدور رحاها في العراق باسمه الآن ، وكتابها معد بعناية واحترافية لا يمكن لمهتم بظاهر الزرقاوي أن يهمل ما ورد فيه من أفكار جريئة ومفصلة.

20.11.05

اقتل! اقتل! اقتل!

Kill ! Kill ! Kill !

اقتل! اقتل! اقتل!
جيمي ماسي
منشورات "بناما" الفرنسية
6 أكتوبر 2005 - باريس

تناول جيمي ماسي، في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان: (اقتل! اقتل! اقتل!) حكايته مجنداً في الجيش الأمريكي, ومن ثم مقاتلاً في الحرب على العراق, التي غادرها بعد ان أمضى فيها ثلاثة أشهر، أشترك خلالها بالعديد من العمليات في العاصمة العراقية بغداد ومدن عراقية أخرى وشارك بنفسه في قتل عراقيين أبرياء كُثر الأمر الذي أدى إلى أصابته بحالة "اكتئاب حاد" أعفي بعدها من الخدمة وأعيد إلى الولايات المتحدة أواخر صيف 2003.
جيمي ماسي مواطن من ولاية تكساس يبلغ من العمر 34 عاماً تلقى علومه الدينية المعمدانية السائدة في الجنوب الأميركي, كان يعشق مطاردة واصطياد السناجب, ولكن خدمة استمرت 12 عاماً في صفوف قوات المارينز الأميركية, جعلت منه رجلا محطما, ومصاب بعوارض أزمات نفسية شديدة, ومدمن على تناول الأدوية, بسبب ملازمته شريط صور كابوسية, يمر فيه مشاهد قتل مدنيين أبرياء, حينما لم يكن أكثر من آلة للقتل.‏
وقام ماسي، بعد فترة علاج طويلة، بتأليف كتابه الجريء, يحكي فيه قصة جندي من المارينز، استهله بحديث عن بدايته مجنداً، يقول فيه إنه يتعين على الجندي الأميركي تعلم كل شيء بسرعة, وقد تعلم أن الجندي ومن أجل المحافظة على مهمته القذرة غير مسموح له أن يكون لديه أي رادع أو وازع)، ومن ثم يصف ماسي كيف دخل العراق في مارس 2003 عبر الحدود الكويتية مع قوات الاحتلال الأمريكية، وما قضاه هناك من أيام عصيبة قتل هو نفسه فيها أبرياء مدنيين، ويعترف بذلك في كتابه قائلا: "أنا نفسي قتلت العديد من المدنيين الأبرياء في الوحدة التي كنت أعمل بها في بغداد في الأشهر الأولى للغزو دون أسباب وجيهة، وما علمناه أن المدنيين الذين قتلوا كانوا غير مسلحين ولا يشكلون خطرا محتملا".
ويؤكد ماسي في كتابه ان أفرادا من وحدته قتلوا عشرات المدنيين نتيجة المبالغة في الشعور بالأخطار التي تواجههم، ووصف ما تقوم به القوات الأمريكية في العراق بـ"بجرائم حرب". ويروي ماسي قصصا فظيعة عن عمليات قتل "بدم بارد" لمدنيين لا يحملون أي أسلحة، ويتساءل في الوقت ذاته: لماذا علينا أن ندخل في تلك الصراعات المعقدة؟ ما الذي سنجنيه من احتلال العراق؟ صحيح أن النظام العراقي كان نظاماً فاشياً، ولكن ماذا سنربحه نحن من احتلالنا للعراق مثلاً ومن غزونا لأفغانستان من قبل ذلك؟".
تلك المساءلة الصعبة التي استغرقت العديد من الصفحات في الكتاب يجد لها ماسي الرد أخيراً بقوله: " في الحقيقة لا شيء ستجنيه الولايات الأمريكية من هذا الجنون المدمر الذي تريد فرضه على العالم. لا شيء. الحرب لم تكن في يوم من الأيام خياراً مطلقاً بالنسبة لجيش لم يكن متعوداً على الحرب طويلة المدى.
وأكد ماسي "أن هناك مذكرة وزعتها المخابرات العسكرية الأمريكية تقول بأن "كل العراقيين إرهابيون محتملون" ولهذا كانت الأوامر التي تكررت لنا تتجسد في إطلاق النار على كل ما يتحرك، ويتابع: "واكتشفنا أننا أطلقنا النار على أطفال أيضاً.. كنا نمارس القتل العمد، وكانت الأوامر المستمرة التي تصلنا هي مزيد من القتل.. اقتل.. اقتل. إلى درجة فقدنا فيها إنسانيتنا تماماً!"
وبدأ ماسي يرفض أوامر رؤساءه ويناقشهم و يثير الجنود كي يرفضوا إطلاق النار عشوائياً على المدنيين مما جعل القيادة تختار بين أن تلقي عليه القبض وإدانته بتهمة عصيان الأوامر وترحيله إلى الولايات الأمريكية للمحاكمة.
ما يميز هذا الكتاب أنه لم يكن من تأليف شخص مدني، أو كاره للحرب، بل كان من تأليف جندي عمل لفترة طويلة في خدمة الجيش الأمريكي. وقد أنكر الجيش من جهته الوقائع التي وردت في الكتاب, بينما وبخه أصدقاؤه القدامى وابتعدوا عنه, حتى إنهم هددوه.‏ وصرحت الناطقة باسم البنتاغون إن مزاعم ماسي قد تم التحقيق فيها من قبل وثبت عدم صحتها، كما ورد في وكالات الأنباء.
ولأنه لم يجد أي ناشر أمريكي لكتابه فقد تعاونت معه الصحفية الفرنسية ناتاشا سولنير على إعداد كتابه باللغة الفرنسية ليقوم بنشره في باريس وترى سولنير ان دور النشر الأمريكية خافت من كتاب "مثير للجدل" قد يؤدي الى تداعيات اقتصادية ويضر بصورة القوات الأمريكية لدى الرأي العام. بينما يرى ناشر الكتاب انه لا يتوقع صدور أي طبعة بالإنجليزية من هذا الكتاب على المدى المنظور إلا انه أكد ان طبعة بالإسبانية ستنشر في بداية 2006.والآن لم يعد يخدم ماسي في صفوف المارينز, ويعيش في قرية صغيرة في ولاية كارولينا الشمالية, مكرساً جل وقته لجولات يناهض فيها التجنيد في المدارس, ويناضل في منظمة تناهض الحرب, أسسها مع خمسة من زملائه أطلقوا عليها اسم (محاربون ضد الحرب).‏

7.11.05

النتائج الأخلاقية للنمو الاقتصادي

The Moral Consequences of Economic Growth

النتائج الأخلاقية للنمو الاقتصادي

تأليف: بنجامين فريدمان
تاريخ النشر: أكتوبر 2005
الناشر: ألفرد نوف


يؤكد أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة هارفارد بنجامين فريدمان في كتابه تحت عنوان (النتائج الأخلاقية للنمو الاقتصادي(, أن النمو الاقتصادي يمثل ضرورة لامناص منها, لاتجاه المجتمعات البشرية إلى المزيد من الليبرالية والانفتاح والديمقراطية .‏


لكن السؤال هو : هل هناك ما يبرر إعطاء كل هذا الاهتمام للنمو الاقتصادي? للإجابة على هذا السؤال كان يتعين على الكاتب أن يذهب إلى ما هو أبعد من مجال الاقتصاد وحده . وأن يستقصي التاريخ السياسي والاجتماعي لبلدان الديمقراطيات الغربية, ولاسيما تاريخ الولايات المتحدة الأميركية منذ أيام الحرب الأهلية, وذلك بهدف عقد مقارنات بين الفترات التاريخية التي شهدت ارتفاعاً عاماً في حياة الأفراد في المجتمع.‏


وبين تلك التي شهدت تردياً في المستوى المعيشي وكساداً اقتصادياً عاماً, كي يدلل على العلاقة الوطيدة بين ازدياد توجه المجتمع نحو الديمقراطية والانفتاح وارتفاع مستوى الدخل والحياة اليومية لأفراده . كما وجد الكاتب أنه لا مناص من دراسة ما إذا كانت لسلوك المجتمعات ازاء النمو الاقتصادي ونتائجه جذور في التراث الفكري للقرون السابقة, لا سيما فلسفة عصر التنوير وتراث الفكر الديني.


ومن بين أهم الاستنتاجات التي خرج بها المؤلف؛ أن النمو الاقتصادي, وليس مجرد ارتفاع المستوى المعيشي لحياة المجتمعات في الدول النامية والفقيرة على نحو خاص, يعد عاملاً لا غنى عنه في إحداث أي تحول ديمقراطي حر وحقيقي في تلك الدول, أما في الدول الصناعية الغنية نفسها, فقد رد الكاتب ظهور النازية في ألمانيا وصعود نجمها في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي, إلى الانهيار الاقتصادي الذي مرت به ألمانيا في تلك الحقبة. كما رد فريدمان نشأة الحركات السياسية الشعبية واليسارية والتقدمية, وكذلك نشاط منظمة - كوكلاس كلاند- إلى جذور ظروف الكساد
والأزمات الاقتصادية التي مرت بها أميركا في تلك الفترة أيضاً.‏


ومن خلال المقارنات والدراسات التاريخية التي أجراها الكاتب بين قرنين على الأقل, يلاحظ أن اهتمامه قد انصب أكثر
على قياس معدلات نمو الدخل الفردي والقومي, وكذلك قياس معدلات البطالة في مختلف الدول التي شملتها الدراسة. وعلى الرغم من دفاعه المستميت عن العولمة والتصدي لآراء منتقديها إلى جانب كونه واحداً من أبرز وأقوى الأصوات الاقتصادية الناقدة للسياسات الضريبية التي تتبناها إدارة الرئيس بوش الحالية, لكنه حذر من أن تتردى القيم الديمقراطية في أميركا نفسها, لو تواصلت معدلات الفقر الحالية, واستمر التباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه أميركا حالياً. ذلك أن العلاقة الجدلية التي تربط بين اتساع رقعة القيم والمبادئ الديمقراطية والليبرالية من ناحية, والنمو الاقتصادي من الناحية الأخرى واحدة وتفعل فعلها في جميع المجتمعات والدول سلباً وإيجاباً , وبهذا المعنى, فإن الكتاب عبارة عن دراسة تاريخية للأثر الاقتصادي على نمو وتطور المجتمعات البشرية, وإذ يعول فريدمان على مستوى النمو الاقتصادي وليس مجرد ارتفاع المستوى المعيشي, فإنما يفعل ذلك مدفوعاً بقناعته الذاتية الخاصة بأن النمو الاقتصادي هو الذي يشكل الهوية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية لأمة ما ويحدد معالم شخصيتها.‏ ومن رأي المؤلف أن الشعوب تكون أكثر سعادة وغبطة فيما لو شعرت أن مستواها المعيشي في ارتفاع مستمر, أو في حالة شعورها بأن حياتها أفضل من جيرانها مثلاً.
وهناك جانب آخر, اهتم المؤلف بمناقشته وتناوله بقدر كبير من التركيز, هو العوامل الخارجية للنمو الاقتصادي مثل البيئة المحيطة والتلوث البيئي . وقال إن على المخططين وواضعي السياسات , الاهتمام بهذه العوامل, إن كانوا يريدون لاقتصادات بلادهم أن تعمل بكفاءتها القصوى وتحقق أعلى نمو اقتصادي ممكن, على أن هناك الكثير ممن أخذ على فريدمان نظرته التقنية المجردة للعملية الاقتصادية هذه. وكأن مشكلات الهوة الاجتماعية والفارق الاقتصادي بين شتى الفئات الاجتماعية, يمكن حلها من خلال النمو الاقتصادي وحده.‏

واحتج هؤلاء بنموذج العولمة نفسها التي يستميت الكاتب في الدفاع عنها, بقولهم إن العولمة حققت نمواً اقتصادياً لا يرقى إليه الشك, في عدد من البلدان الصناعية بالذات , لكنها لم تردم الهوة القائمة بين الشمال والجنوب, أي بين منطقتي الفقر والغنى في عالمنا المعاصر, ولذلك, فإن ردم هذه الهوة لن يتحقق من خلال العملية الاقتصادية وحدها, وإنما يتطلب توخي العدالة في توزيع الثروات واتباع استراتيجيات جديدة ترمي إلى مكافحة الفقر وصيانة حقوق الإنسان من باب تحسين الشرط الاقتصادي المحيط به.